في يوم 28 مايو / أيّار من عام 1970، أصاب لُغمٌ أرضيّ جنديّاً تابعاً للكتيبة التي يقودها الجنرال "نور مان شوار سكوف". أسرع "شوار سكوف" إلى موقع الرَّجُل وبينما
كان يتمّ ترحيله بالطّائرة الهليكوبيتر وطأتْ قدم جندي آخَر على لُغم، وأُصيبتْ ساقه بجرح شديد. اندفع الجندي وهو يصرخ داخل منطقة مملوءة بالألغام، فأدرك القائد "شوار سكوف" بأنّ الجندي الجريح يمكنه النّجاة والاحتفاظ بساقه فقط إذا توقّف عن الحركة. وكان لا بدّ أن يذهب إليه أحدهم ليوقفه عن الحركة ويساعده على النّجاة، ولكن من يدخل إليه لينقذه في منطقة مملوءة بالألغام ؟!. لقد قرّر القائد "شوار سكوف" أن يتحرّك هو بنَفْسه داخل حقل الألغام، وهو يسير ببطء وبِحذَر مُحملِقاً في الأرض ليلاحِظ أين يضع رِجْله خوفاً من انفجار لُغم فيه. وأخيراً وصل إلى الجندي وأمسكه وهدّأ من روعه وأخرجه من حقل الألغام بسلام. إنّ "شوار سكوف" كان قائداً مؤثِّراً لأنّه اختار أن يخدم بنَفْسه جندي وقع في مشكلة معرِّضاً حياته للخطر. فماذا يُطلَق على قيادة "شوار سكوف"؟، إنّه القائد الخادم .
قد يبدو أنّ كلمة القائد والخادم متضادّتان وصعب التّوحيد بينهما، فالقيادة مرتبطة في أذهان النّاس بالتّسلُّط على الآخَرين. فالقائد هو الذي يأمر وينهي، هو صاحب المركز الأوّل والذي يشير بأصبعه فيتحرّك النّاس طَوع أمره. إنّ هذه الصّورة كانت مألوفة للحاكم الرّوماني في زمن السّيّد المسيح الذي قال عن نَفْسه في إنجيل متّى 20: 28
، بهذا التّعليم غيَّر السّيّد المسيح المفاهيم الخاصّة بالقيادة المُتسلِّطة وحوّلها إلى القيادة الخادمة الباذِلة. ولم تكُن هذه شعارات نادى بها السّيّد المسيح، بل قدَّم بنفسه نموذجاً عظيماً يَحتذي به الجميع. لقد اتِّزَر بمنشفة وصبَّ ماءً في مِغسَل وابتدأ يغسل أرجُل تلاميذه، وهذا العمل كان يقوم به العبد الذي يخدم في البيت وكان يُعتَبر من أحقر الأعمال. لكنّه قال تعليقاً على هذا الموقف الرّهيب في إنجيليوحنّا 13: 13 - 15
وفي حديثة أيضاً مع تلاميذه أوضح الفرق بين ما ينادي به العالم عن القيادة وما ينادي هو به، فقال في إنجيل متّى 20: 25 - 26
.
** قال القدّيس "أغسطينوس" وهو واحد من الذين تعلَّموا هذا المبدأ من السّيّد المسيح: "أنا أسقف (رتبة قياديّة كبيرة في الكنيسة) من أجلكم أنا معكم فأنا خادمكم".
** إنّ مفهوم القيادة في العالم يعني: كم من النّاس يعملون لأجلك ويخدمونك؟ ولكن مفهوم الله يعني: كم من النّاس أنت تعمل لأجلهم وتخدمهم؟.
** في مفهوم العالم رجال القائد يبذلون أنْفُسهم من أجله. أمّا القائد في مفهوم الله فهو الذي يبذل نَفْسه لأجل رِجاله.
هناك مَثَل يقوله الإفريقيّون في كينيا: "الرّئيس هو خادم الكلّ".
فإن كنتَ قائداً فما هو موقفك؟ هل أنت تأمر النّاس ليخدموك؟ أم تخدمهم أنت؟
صفات القائد الخادم:
1. مُحِبّاً للنّاس:
إذا كنتَ تسعى للقيادة لتحصل على مركز أو شهرة، أو لك أهداف تخدمك أنت شخصيّاً فأنت تُحبّ نَفْسك. ولكن إذا كنت مهتمّاً بالآخَرين وترغب في مساعدتهم عن حُبٍّ، فأنت من أعظم وأفضل القادة ممّن يرغبون في خدمة الآخَرين وليس أنْفُسهم.
2. متّضعاً:
القائد المتواضع لا يسعى وراء الإكرام والاحترام من الآخَرين، بل هو الذي يتمتّع بالحكمة واحترام الغَير. لا يتحلّى بروح العُجب والاعتداد بالذّات، بل بالهدوء والوداعة والبساطة. وعندما يتحلّى بهذه الصّفات لا يعتبر نَفْسه ساذجاً أو ضعيفاً، بل متفانٍ في تقديم الآخَرين على حساب نَفْسه.
3. يهتّم أن يعطي أكثر ممّا يأخذ:
القائد المُعطي هو الذي يرى احتياج الآخَرين وينتهز الفرصة ويعطي دون انتظار للمقابل.
القيادة الخادمة لها نتائج وبركات رائعة:
1. الحُبّ من التّابعين: كتب أحد الجنود عن قائده فقال: كنّا نُطلِق عليه القائد المحبوب لأنّه كان يهتمّ بنا أكثر من اهتمامنا نحن بأنْفُسنا. كثيراً ما كان ينحني على الأرض ليعتني بقَدَمِ أحد الجنود الملتهبة والمجروحة من المشي الطّويل الشّاق، وبِيَده يداوي جراحه. فأثَّر بنا كلّنا باهتمامه ولمَساته المتواضعة الرّقيقة، وهكذا زاد حُبّنا واحترامنا له. لقد كان قائداً محبوباً من الجميع.
"إنّ محبّة التّابعين للقائد أعظم تاج يوضع فوق رأسه".
2. السّعادة: إنّ العالم يظنّ أنّ السّعادة تنتج من خدمة الآخَرين لنا، ولكنّ السّعادة الحقيقيّة تأتي عندما نخدم نحن الآخَرين. فلقد قال السّيّد المسيح كما هو مذكور في سِفرأعمال الرّسل 20: 35
إنّ خدمة الآخَرين وإعطاء الحُبّ والمال والوقت لهُم هو سرُّ السّعادة التي يبحث عنها العالم.
3. النّجاح: إنّ القائد الذي يخدم الآخَرين ويهتمّ بهم ويضعهم قبل نَفْسه، لا بدّ أن ينجح في قيادته. فكلّ النّاس الذين يتبعوه سيفعلوا أيّ شيء يطلبه، وسيعملوا معه لا بدافع الواجب أو الخوف بل بدافع الحُبّ من كلّ القلب، وستكون النّتيجة الحتميّة هي النّجاح.
أخيراً،
أيّ نوع من القادة أنت؟ القائد المُتسلِّط أم القائد الخادم؟ إنّ العالم اليوم يحتاج إلى قادة يخدمون وإلى خُدّام يقودون فهل تكون أنت هذا القائد؟! إنّها دعوة شخصيّة لك.