تمّ تداول رسالة على الإنترنت يُرَجّح بشكل كبير أنّها لريحانة التي
أُعدِمَت في إيران نهاية أكتوبر 2014. والتي اتُّهمت بالقتل العمد، في حين أنّها كانت تدافع عن نفسها عندما حاول رَجُل اغتصابها.
دعونا نتأمّل في بعض كلمات هذه الرّسالة، ونذهب لأبعد ممّا تحمله كلماتها.
"عزيزتي شعلة .. علمتُ اليوم أنّه قد جاء دوري لمواجهة القصاص، أشعر بالأسى لأنّكِ لم تخبريني بنفسكِ أنّي قد وصلت إلى نهاية رحلتي في الحياة، ألا تعتقدين أنّه من حقّي أن أعرف؟ أتعلمين؟ أشعر بالخزي لأنّكِ حزينة، لماذا لم تعطيني الفرصة لأُقبِّل يدكِ ويد أبي؟".
وأضافت "لقد عشتُ 19 سنةً في هذا العالم. في تلك الليلة المشؤومة كان يجب أن أكون أنا القتيلة، كان جسدي ليُلقى في إحدى زوايا المدينة، وبعد أيّام كانت الشرطة ستأخذكِ إلى مكتب الطبيب الشّرعي لتتعرَّفي على الجثّة، وكنتِ ستعرفين حينها أنّي قد اغتُصِبت، لم يكُن أحدٌ ليتوصَّل إلى هويّة القاتل. عندئذٍ كنتِ ستُكمِلين بقيّة حياتكِ في معاناة وعار، وكنت ستموتين كَمَداً بعد بضع سنين، وكانت القصّة ستنتهي".
"تعلَّمتُ منكِ أنّ المرء يولد في هذا العالم ليكتسب خبرات، ويتعلَّم دروساً؛ وأنّ كلّ امرِئٍ بما كسب رهينة منذ لحظة مولده، تعلَّمتُ أنّه يجب على المرء أحياناً أن يقاتل. لقد قلتِ لي إنّ المرء يجب أن يثابر حتّى يُعلّي قِيَمَه، حتّى لو كان جزاؤه الموت".
"لن تنتهِ كلماتي فقد أعطيتها إلى شخصٍ تعهَّد بتسليمها إليكِ بعد أن أُعدم دون حضوركِ، ودون علمكِ، لقد تركتُ لكِ الكثير من الكتابات ميراثاً. لكن قبل أن أموت، أريد أن أطلب منكِ أمراً يجب عليكِ تلبيته بكلّ ما تستطيعين من قوّة، وبأيّ طريقة في مقدورك. هذا، في الحقيقة، الأمر الوحيد الذي أريده من هذا العالم، ومن هذا البلد، ومنكِ. أعلم أنّكِ تريدين وقتاً لإعداده، لذا أُخبركِ جزءاً من وصيّتي قبل الموت. لا تبكي واسمعيني جيّداً. أريدك أن تذهبي إلى قاعة المحكمة وتعلني رغبتي. لا يمكنني كتابة هذه الرّغبة من داخل السّجن لأنّ مدير السّجن لن يسمح بمروره، لذا سيتوجَّب عليكِ أن تعاني من أجلي مرّة أُخرى. إنّه الأمر الوحيد الذي لن أغضب إذا اضطررتِ إلى أن تتوسّلي من أجله، رغم أنّني طلبت منكِ عدّة مراتٍ ألَّا تتوسّلي إلى أحد لينقذني من الإعدام.
وطلبت ريحانة، من أمّها قائلة: "أمّي الطّيّبة، العزيزة شعلة، الأعزّ عليّ من حياتي، لا أريد أن أتعفَّن تحت الثّرى (الأرض). لا أريد لعينيّ أو لقلبي الشّاب أن يتحوَّلوا إلى تراب. توسَّلي لهم ليعطوا قلبي، وكليتيّ، وعينيّ، وعظمي، وكلّ ما يمكن زرعه في جسدٍ آخر، هديّةً إلى شخصٍ يحتاج إليهم بمجرّد إعدامي. لا أريدُ لهذا الشّخص أن يعرف اسمي، أو يشتري لي باقة من الزّهور، ولا حتّى أن يدعو لي. أقول لكِ من أعماق قلبي إنّي لا أريد أن أوضع في قبر تزورينه، وتبكين عنده، وتعانين. لا أريدكِ أن تلبسي ثوب الحداد الأسود. ابذلي ما في وسعكِ لتنسي أيّامي الصّعبة، اتركيني لتبعثرني الرّيح". واستكملت: "لم يُحبّني العالم، ولم يتركني لقدري. أنا أستسلم الآن وأقابل الموت بصدرٍ رحب. وأمام محكمة الله سأُوجِّه الاتّهام إلى كلّ من ظلمني أو انتهك حقوقي، سواء عن جهلٍ أو كذب، ولم يفطنوا إلى أنّ الحقيقة ليست دائماً كما تبدو".
واختتمت ريحانة رسالتها قائلة: "عزيزتي شعلة ذات القلب الطّيّب، في الآخرة سنُوجِّه نحن الاتّهام، وسيكونون هم المُتّهمين. دعينا ننتظر إرادة الله. أردتُ أن أضُمّكِ حتّى أموت. أُحبّكِ".
الحقيقة ليست دائماً كما تبدو
كلمات هذه الرّسالة مليئة بالمشاعر الحقيقيّة، مشاعر إنسانة تمنّت العدل والرّحمة، تمنّت أن تحتضن والدتها وتقبّل يدها.
وعلى جانب آخر، هناك قصّة حقيقيّة أيضاً، صاحبها لم يفعل أيّ شيء يستحقّ الإعدام، تذكّرتها عندما قرأت وصيّة ريحانة بأن تَهِب أعضاء جسدها للمحتاجين إليها.
صاحب هذه القصّة، تمّت إهانته إهانة شديدة، وتعاملوا معه بقسوة بالغة، رفعوا ضدّه دعاوى كاذبة، وتركه أعزّ محبّوه في أحلك لحظة، وأخذ حكم الموت على خشبة الصّليب.
فعلَ ذلك لكي يَهِب جسده ودمه لكلّ إنسان محتاج للحياة الحقيقيّة.
إنّه يسوع المسيح، الذي لم يفعل خطيّة واحدة تستحقّ الموت، الذي أحبَّنا بشدّة محبّة أقوى من الألم، الذي أتى ليخلّص العالم. هل تعرفه؟!
اطلُب منه أن يُظهِر لك نوره، اطلُب منه أن يُعرِّفك الحقّ، وتأكّد أنّه يسمع طلبات القلب الصّادق.