لا يُوجد موضوع يشغل حياة البشر من قديم الأزمان إلى اليوم، قدر موضوع بحث الإنسان الدّائم والمُستمرّ وسعيه الدّؤوب حتّى ينال رضى الله ويُحقّق مشيئته!.
لماذا يحاول البشر أن يُرضوا الله؟ وهل يُمكن لله أن يرضى عن الإنسان؟! ما الذي عليّ أن أعمله لنوال رضى الله؟
• لماذا يبحث الإنسان دوماً عن رضى الله؟
يبحث الإنسان دوماً عن رضى الله لأنّ عنده دائماً جوع وعطش حقيقيَّين، بسبب رغبة شديدة موجودة داخله تجاه معرفة الله ومعرفة طُرُقه. لقد خلق الله الإنسان على صورته وكشبهه بنفخة منه، ورغم أنّ انفصالاً قد وقع بين الإنسان والله منذ أن سقط أبوانا الأوّلان في الخطيّة (وهذا الانفصال ورثه كلّ البشر من بعدهما)، إلّا أنّ الإنسان بشكل ما لم يفقد اتّصاله وشعوره المُستمرّ دوماً بحاجته لله. قال القدّيس أغسطينوس في إحدى صلواته لله، عبارة جميلة دقيقة وواضحة تُعبّر عن مثل هذا الاحتياج: "يالله، لقد خلقتنا لذاتك، ونفوسنا لن تجد راحتها إلّا فيك". فكما أنّ السّمك لا يُمكن أن يعيش إلّا في الماء وكما أنّ السّيّارة قد صُمّمت لتسير بالوقود، فالإنسان أيضاً لن يجد راحته إلّا فى رضى الله.
• كيف حاول البشر على مرِّ العصور أن يجدوا طريقاً لرضى الله عنهم؟
سلك الكثيرون من البشر ولا يزالون عبر طُرق عديدة ومُتنوّعة، بُغية إرضاء الله. البعض تعمّق في الفلسفة والعلم لعلّ ذلك يُساعده على معرفة الله، والبعض الآخَر سلك طريقاً مُغايراً إذ أكثر من التّديُّن والأصوام والصّلوات والتّسابيح والتّرانيم، تلك الموجودة بكثرة منذ عقود طويلة في كلّ العبادات والدّيانات وإن اختلفت في الشّكل والطّريقة وربّما في الفلسفة والمضمون!. فريق ثالث نحى مَنحاً آخَر، إذ اتّخذ الأعمال الصّالحة وأعمال البِرّ والعناية باليتيم والفقير والأرملة والمُعوَز والمحتاج، على اعتبار أنّ مثل هذه الأمور هي بلا شكّ مقبولة عند الله ولا بدّ أنّه سيُسرُّ بها وسيرضى على الإنسان إن فعلها.
• هل التّديُّن والتّقرُّب لله يُرضيه؟
هناك فرق كبير بين أن أعرف الله بحقّ، وأن أكون مُتديّناً!. إنّ المعرفة الحقيقيّة لله لا تستند على مُجرّد كلمات أُردِّدها أو أَدعية وصلوات أحفظها عن ظهر قلب، دون أن يتّجه قلبي اتّجاهاً حقيقيّاً من نحو الله!.
يُحدّثنا الكتاب المُقدّس عن قصّة رائعة ربّما تُوضّح لك صديقي ما أريد أن أقوله، هذه القصّة مذكورة في إنجيل لوقا 18: 10 - 14
ملحوظة للتّوضيح: الفرّيسيُّون هُم فئة من اليهود شَديدِي التّديُّن وحافِظي الشّريعة. أمّا العشّار فهو جابي الضّرائب للسُّلطة الرّومانيّة وقت المسيح، وكانت مهنة مَقيتة ويتّصف العاملون بها كثيراً باللّصوصيّة!.
إذاً فالتّديُّن الظّاهري والصّلاة من قلب ليس مُخلِصاً ولا مُدرِكاً لنعمة الله، لا يُقودان الإنسان بحقّ لأن يُرضي الله.
• هل أعمالي الصّالحة يُمكنها أن تجعل الله يرضى عنّي؟ ولماذا؟
بالطّبع لا!. وأنا لا أقول على الإطلاق إنّ الأعمال الصّالحة لا تُسِرّ الله أو لا يُلقي إليها بالاً. الأعمال الصّالحة في حدّ ذاتها، مع أنّها بالطّبع أمر جميل ورائع، إلّا أنّها إن لم تكُن صادرة من قلب مُخلِص ويُحبُّ الله بحقّ، فهي لن تُرضيه ولن تُجنى أيّ فائدة من ورائها.
• طريق واحد للإنسان يُمكنه به أن يُرضي الله!،
هُناك طريق واحد ليس سواه يُمكن للإنسان أن يسلكه إن هو أراد أن يُرضي الله، وهذا الطّريق هو قبول عمل المسيح الفدائي على الصّليب لأجل محو خطايا البشر ودفع ثمنها أمام العدل الإلهي. إنّ قضيّة الإنسان أصلاً لاهوتيّة وليست أخلاقيّة بالدّرجة الأولى. لأنّ الإنسان انفصل عن الله بخطيّة آدم، ومادام قد انفصل عن الله، فإنّ هذا الانفصال نتج عنه كلّ ما يعمله الإنسان من خطايا. فخطايا البشر من كذب وحلف وسرقة وقتل وزنا و.... ليست هي السّبب، لكنّها النّتيجة!. لذلك فليس من المُمكن أن نُحاول علاج السّبب من دون أن نُزيل المُسبِّب أوّلاً!. يحتاج الإنسان أن يتصالح مع الله ويُعيد الشّركة المقطوعة بينه وبين الله، بعدها يكون بمقدوره ـ بقُوّة الله ـ أن يتغلّب على نتيجة الخطيّة (الخطايا التي يعملها). من الواضح إذاً أنّ الإنسان لن يستطيع أن يتغلّب على خطاياه بمُفرده، بل حتّى ولو استطاع، فلن يحلّ قضيّة حاجته لدفع ثمن الخطيّة أمام الله!.
• ما هو دوري وما هي مسؤوليّتي؟
إنْ كُنتُ مُصمِّماً بحقّ أن أُرضي الله، فعليَّ أن أُقِرّ وأعترف أمامه أنْ لا فائدة تُرجى من مُحاولاتي الذّاتيّة لهزيمة خطاياي والتّحرُّر منها. وأنّ ثمن السّقوط باهظ جدّاً أكثر من قُدرتي على دفعه. لذلك فإنّي أقبل فِدية يسوع التي قُدِّمت لأجلي على الصّليب، فأُسلِّم حياتي له ليمتلكها هو بالكامل ويُقدِّسها ويملأها بطاعة الله ومحبّته، ويُعطيني بعدها القُوّة كي أحيا له حافظاً وصاياه.
عزيزي، أمامك طريقان اثنان لا ثالث لهما. فإمّا أن تظلّ تُحاول بطُرُقك من دون أن تلتفت لطريق الله الوحيد للخلاص، وصدّقني ستظلُّ مُحاولاتك تبوء بالفشل!. أو أن تُجرِّب أن تأتي لله من خلال المسيح، فتختبر معه وبه طعم رضى الله عليك، ويالَها من لَذّة وبركة.
أُرحّب بأيّ مُداخلة أو تعليق أو تعقيب أو استفسار، فدعنا نتواصل لمعرفة الله من خلال موقع معرفة. تحيّاتي ومحبّتي لك، والرّبُّ يُباركك.