في الأوّل من كانون الأوّل من كلّ عام يتذكّر العالم مرض الإيدز، وهُو يعتَبر المرض الأشدُّ فتكاً،
إذ أنّه يفتح الطّريق للكثير من الأمراض لتُهاجم الإنسان من دون أن تجد أيّ نوع من المُقاومة لها. ومازال العلماء عاجزين تماماً عن مواجهة هذا المرض، والنّتيجة أنّه ما يزال يفتك بأعداد هائلة من البشر. وتكمن خطورة مرض الإيدز أيضاً، في أنّ الكثير من النّاس لا يعلمون حتّى اليوم الكثير من المعلومات الهامّة عن هذا المرض الخطير، وهُم بذلك لا يُدركون شيئاً أيضاً عن مخاطره. في هذا المقال سنُحاول أن نُلقي المزيد من الضّوء على هذا المرض، ما هو وكيف بدأ؟ ما هي أسبابه وتحدّياته؟ كيف ينتقل من إنسان لإنسان؟ ما هي طُرُق الوقاية منه؟ تابع معي عزيزي القارىء هذا المقال الهام وليحفظنا الله جميعاً من هذا المرض الفتّاك.
• ما معنى كلمة "إيدز":
كلمة إيدز "Aids" هي اختصار لحروف بداية كلمات بالإنجليزيّة تعني: "مُتلازمة نقص المناعة المُكتَسب"، وبكلمات أخرى، فهي تصف أو تُعرِّف المرض الذي يُدمِّر النّظام المناعي الطّبيعي لجسم الإنسان، ذلك الذي يُمكِّنه من مُقاومة كافّة الأمراض الأُخرى التي يتعرّض لها جسم الإنسان، فيصير الإنسان بذلك فريسة سهلة للعديد من الأمراض من دون أيّة مُقاومة تُذكر.
• كيف بدأ مرض الإيدز؟
يعتقد مُعظم الباحثين المختصّين بأنّ الإنسان قد اكتسب مرض نقص المناعة في البداية من قرود الشّمبانزي، التي تحمل أحياناً فيروساً مُشابهاً للفيروس الذي يُسبِّب المرض عند البشر، ويُطلَق عليه اختصاراً اسم "إتش آي في (HIV). ويقول هؤلاء الباحثون إنّ المرض انتقل للإنسان عن طريق تناوُل لحوم تلك القرود أو عن طريق التّعرُّض للعضّ من قِبَلها، بينما هُناك أقليّة أُخرى من الباحثين يرون أنّ انتشار المرض جاء بالأساس عن طريق لقاحٍ قد تمّ تحضيره من أنسجة قرد شمبانزي مُصاب بالفيروس، ومن ثمّ انتقل للإنسان. ولقد تمّ تشخيص هذا المرض للمرّة الأولى في بداية ثمانينات القرن الماضي، إلّا أنّ أوّل حالة إصابة ربّما تكون قد حدثت قبل ذلك بكثير في أفريقيا، إذ يُعتقد أنّ تاريخ ذلك يعود إلى الخمسينات. وقد أدّى استخدام بعض الأدوية للعلاج فضلاً عن نشر التّوعية بين السّكّان في بعض أجزاء العالم إلى وقف انتشار المرض، لكن أفريقيا صارت تعاني من تحوّل المرض إلى وباء مستشري بسبب أنّ مُعظم المُصابين بالفيروس المُسبِّب للإيدز ليسوا على دراية بحقيقة إصابتهم.
• كيف ينتقل المرض من إنسان لآخر وكيف ينتشر؟
ظلّ النّاس لفترة طويلة يعتقدون أنّ المرض ينتقل من إنسان لآخر من جرّاء الممارسات الجنسيّة الشّاذّة، وإنْ كان هذا الأمر صحيحاً بالفعل، إلّا أنّ الأبحاث والحقائق العلميّة قد أثبتت أخيراً وبما لا يدع مجالاً للشّكّ، أنّ فيروس نقص المناعة البشري يُمكن أن ينتقل بواسطة سوائل الجسم، مثل الدّمّ والسّائل المنوي وسائل المهبل وحليب الأُمّ.
لكن تظلّ أكثر الطُّرُق شيوعاً لانتشار المرض هي الاتّصال الجنسي واستخدام الحِقَن الطّبيّة لأكثر من مرّة بطريقة غير آمنة (مثل الذي يحدث عند تعاطي المُخدّرات إذ يتمّ تداول الحِقَن بين المُدمنين)، كما وينتقل فيروس المرض من الأُمّ لجنينها أو لوليدها، وكذلك يُمكن أن ينتقل الفيروس عن طريق نقل الدّمّ إلى المرضى (لكنّه لا ينتقل من شخص لآخر عن طريق اللقاءات الاجتماعيّة). صارت هذه الوسائل كلّها تُسهّل من انتقال المرض وتحدُّ من إمكانيّة مُحاصرته والسّيطرة عليه، ومن ثمّ ما زال أمل القضاء على المرض بعيداً لحدّ كبير،
وعلى ذلك فإنّ الآلاف من الأطفال في أفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينيّة وآسيا باتوا يُولَدون وهُم مُصابون بالمرض، وصار الإيدز يهدِّد جميع الشّعوب دون استثناء، وما لم يقف العالم في وجهه وقائيّاً وعلميّاً فإنّ احتمالات تصاعُد مُعدّلات الإصابة به أصبحت تُهدّد البشريّة جميعها بالفناء، وللتّدليل على ذلك فإنّنا نقول إنّ المصادر المُطّلعة تُعرّفنا أنّه في أفريقيا وحدها يموت نحو ستّة آلاف شخص يوميّاً بسبب مرض نقص المناعة المكتسب - الإيدز - وهذا الرّقم يفوق في الحقيقة أعداد ضحايا الحروب والمجاعات والفيضانات، وينتج عن ذلك أيضاً ازدياد أعداد الأطفال الذين يُطلَق عليهم "أيتام الإيدز" بصورة تُنذر بالكارثة.
• ماذا يعمل الإيدز في جسم الإنسان؟
إنّ فيروس الإيدز يُسبّب فُقدانَ المُصابين به القُدرة على مُقاومةِ الإصابات بسبب ضعف أجهزة المناعة لديهم أو انهيارها تماماً، ممّا يجعلهم عُرضة لأمراض أُخرى مثل الالتهاب الرّئوي والسّرطان والسّلّ وإصابات الجهاز الهضمي وغيرها.
• ما هي الأعراض التي تظهر على مريض الإيدز؟
ما يزيد الوضع تعقيداً هُو أنّه قد لا تظهر على المُصابين بالفيروس أيّة أعراض واضحة لسنوات، وقد لا تثبت إصابتهم إلّا بواسطة تحليل عيّنة من الدّمّ. غير أنّ الأعراض الأولى التي تظهر على المصابين قد تتضمّن فُقدان الوزن والسُّعال الجاف والحُمّى المُتكرّرة والإجهاد وانتفاخ الغُدد والإسهال.
• ما الذي يُساعد على انتشار مرض الإيدز؟
إنّ عوامل كثيرة تُساعد على تفاقم المشكلة، بينها الفقر والأُميّة ونقص التّوعية وضعف النّظام الصّحّي وتدنّي المستوى الاجتماعي للمرأة والاقتصادي والصّحيّ للدّولة.
• هل من علاج حاسم وفعّال لمواجهة الإيدز؟
بكلّ أسف لا يوجد علاج فعّال لمرض الإيدز كما لا يوجد لقاح للوقاية منه، لكن هناك أدوية بإمكانها الحدّ من انتشار الفيروس وتقليل مُعدّل تدميره للجهاز المناعي. وقد أدّى استخدام هذه الأدوية ـ عند بعض المرضى ـ إلى انخفاض مستوى الفيروس في أجسادهم إلى درجة أنّه لا يظهر في الاختبارات. وتحتاج القارّة الأفريقية لمُواجهة المرض ـ وهي الأكثر تضرُّراً وانتشاراً للمرض على مُستوى العالم ـ إلى مدّ يد العون إليها بإمدادها بأدوية منخفضة الأثمان ليكون بإمكان جميع المصابين الحصول عليها.
• لماذا أفريقيا بالذّات هي الأكثر تضرُّراً؟
يرى العلماء أنّ ارتفاع عدد حالات الإصابة المتنامي بصورة مرعبة في القارّة الأفريقيّة هو أمر يبعث على أقصى حالات القلق، ويعيش في بلدان جنوب القارّة الأفريقيّة ثلثا المصابين في العالم بفيروس "أتش آي في" الذي يُسبّب مرض الإيدز.
ووفقاً لإحصاءات منظمّة الصّحّة العالميّة فإنّ وباء الإيدز يقتل أكثر من مليوني شخص كلّ عام في أفريقيا وحدها. وتُقدّر الأمم المتّحدة عدد الأفارقة الذين فقدوا حياتهم نتيجة المرض منذ تشخيصه للمرّة الأولى بأحد عشر مليوناً.
والواقع أنّ المرض بدأ يتّخذ طابعاً وبائيّاً في هذه القارّة، لكن رُغم ذلك فإنّ استجابة الحكومات في غالب الأحيان كانت بطيئة ممّا زاد المُشكلة تفاقُماً وتعقيداً.
• ما هي طُرُق الوقاية من هذا المرض؟
يُشكّل الوعي بالمرض أحد أهمّ النّقاط الرّئيسيّة في الوقاية منه، وتُولي بعض البلدان الأولويّة لاختبار الدّمّ لمُساعدة حَمَلَة الفيروس في معرفة حقيقة الأمر.
وترى الأمم المتّحدة أنّ الدّول الفقيرة يمكن أن تُحرِز نتائج أفضل في هذا المضمار، إنْ هي اعتمدت تحسين وسائل التّوعية والتّثقيف والتّعليم وتوفير الواقي الذّكري لكلّ من يحتاجه.
• عُمق الأزمة:
تُشير الإحصاءات إلى أنّ عدد ضحايا الإيدز انخفض في البلدان الغنيّة بفضل استخدام الأدوية المضادّة له، لكنّه تحوّل إلى وباء في العديد من البلدان الفقيرة. وتُقدّر الأمم المتّحدة أنّ الإيدز سيقتل أكثر من ثُلث الذّكور البالغين في بعض أجزاء أفريقيا.
وطبقاً للأمم المتّحدة فإنّ الإيدز يتصدّر الآن أسباب الموت في أفريقيا، ويُعتَبر القاتل الأوّل للبشر في القارّة الأفريقيّة، بينما يُعدّ هو القاتل الرّابع في بقيّة أنحاء العالم. وتشير إحصاءات المنظمّة الدّوليّة إلى أنّ 8ر2 مليون شخص قد ماتوا بسبب هذا المرض في العام الماضي فقط.
• مرض قاتل، إحذر منه!:
إذاً فعلينا جميعنا كجماعات وكأفراد، والموضوع بهذا الجحم من الخطورة، أن نتلافى مصادر العدوى ونَحذَر جيّداً منها، ونعمل على الوقاية بكلّ حرص واهتمام حتّى نَقي أنفسنا من شرّ هذا المرض المخيف.
المصادر: بتصرُّف من مطبوعات ونشرات علميّة مختلفة من الإنترنت وتقارير الأمم المتّحدة ومنظمّة الصّحّة العالميّة ومصادر أخرى.